رياض الحمداني

تعدّ الطوائف الدينية والقوميات المتنوعة، بمثابة رصيد مهم في العراق اذا ما استغلت الحكومة ذلك، وبقدر ما يحمل هذا التنوّع الغنيّ عوامل تفرّد وتميّز، إلا أنّه قد يصنع أزمات وصراعات دينية وقومية ومذهبية أحياناً، بسبب عدم إدارة هذا التنوّع بشكل جيد، وذلك عندما يتسبب التهميش والقمع في نبذ بعض الأفراد على أساس طائفي ومذهبي.


أصل كلمة الكاكائية هي “كاكا”، وتعني “الأخ الأكبر”، حيث تعدّ من الديانات التوحيدية، التي تؤمن بإله واحد، وتنتشر في شمال العراق، وتمتاز بالغموض والسرية فيما يتصل بأفكارها ومعتقداتها وطرق ممارسة شعائرها.


وتعد الكاكائية ديانة توحيدية تبشيرية، لكنها فعلياً مغلقة على أصحابها، ويحرص اتباعها على عدم الحديث عن أسس ديانتهم وتعاليمها وطقوسها، وعلى ابقاء نصوصها سراً في كتبهم وفي صدورهم، دون اطلاقها للناس.


المجدد للديانة الكاكائية فخر العاشقين سلطان إسحاق البرزنجي، المولود عام 671 للهجرة إلى أنّه من بين تعاليم مؤسس الطائفة الكاكائية، سلطان إسحاق البرزنجي، عدم الكشف عن أسرار الديانة للعامة، كما يجب الحديث عنها من خلال الرموز والكنايات، وقد ورد فيما هو مدون عن فخر العاشقين، مؤسس الكاكائية أنّه قال: “لا تكشفوا الأسرار، فيا أيها الياران (أي الأنصار) إياكم وكشف الأسرار، فالحكمة يتلقاها الأهل برموز، لئلا تحترقوا في محرقة أعمالكم”.
تقوم الديانة الكاكائية في معتقداتها على أربعة أركان، أو شروط وهي: الطهارة، الصدق، الفناء، والعفو، كما انها تؤمن بتناسخ الأرواح.


ينقسم الكاكائيون الى أصحاب النذور وأصحاب الصلوات، ويصومون يوماً في كل سنة يسمونه يوم الاستقبال، ثم يصومون ثلاثة أيام يسمونها أيام الصوم، ثم بعدها يوماً يعتبرونه يوم العيد، ويحرمون الخمر ولا يبيحون تعدد الزوجات، كما انهم يقدسون يومي الاثنين والجمعة.
تتكون هذه الديانة من طبقات وهي : طبقة “السادة” وهم الامراء ورؤساء الدين، طبقة “الدليل” او “البير” ويسمى الواحد منهم المرشد او مام او بابا، طبقة “الاخوان” وهم الباقون المعروفون بالعامة الكاكائية ويكون بينهم التعاون والمساعدة تطبيقاً لمبدأ الاخوة.
يتميز الكاكئيون بالشارب الطويل، والذي يعد إرثاً ثقافياً ودينياً، يحافظون على استمراريته، إضافة إلى زيهم المميز، الذي يتكون من “الصاية”، وهو رداء طويل يشبه العباءة البدوية، والسترة، وربطة الرأس التقليدية.

وتتعدد المزارات الدينية للديانة الكاكائية، ومن بينها: مزار سلطان إسحاق الموجود في جبل هورامان في ايران على الحدود العراقية الايرانية، ومزار شاه إبراهيم ببغداد، والباب الأوسط ببغداد، إضافة إلى دكان داود بقصر شيرين بإيران، ومزار باوة محمود في خانقين.
اما في محافظة نينوى يتركز وجود الكاكائيين في قرى سهل نينوى ومن بينها : قرية وردك ويقع فيها اقدس مزار وهو سيد هياس، وقرية تللبن وفيها مزار بابا يادكار، وكزنان فيها مزار بابا حيدر وقرية المجيدية وزنكل وكبرلي

“سيد هياس” من أقدس مزارات الكاكائية في نينوى
من هو سيد هياس؟

يؤكد الكاكائية ان مزار سيد هياس هو أحد أهم وأقدس مزارات المكون الكاكائي في نينوى والعراق عموما، وهو يعود لراعي الديانة الكاكائية، وان اسمه الحقيقي هو شهياس (هياس الثاني) لكنه عرف باسم سيد هياس.


يقع المزار، عند التقاء نهر الخازر بنهر الزاب الكبير في جنوب شرقي محافظة نينوى، ويرجع تاريخ بنائه إلى ما قبل خمسة قرون، وكان مشيداً بمواد طينية، قبل ان يعاد بناؤه بالحجر والاسمنت المسلح في العام 1981 بأمر من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عقب زيارته للمنطقة.


وتبلغ مساحة بنائه الحالية نحو 1000 متر مربع، وتحيطه حدائق وأشجار كثيرة، ويحتوي على مكتبة، والى جوار المبنى هناك مقبرة لكاكائية نينوى حيث يدفنون هناك.


وبحسب روايات بعض الكاكائية ان سيد هياس ولد دون أبٍ وأم بمعجزة إلهية في قرية برديور الواقعة على الحدود العراقية الإيرانية وتقع ضمن حدود ايران حاليا، فكان طفلاً دون مأوى وأهل، حين صادفه شخص اسمه الشيخ عيسى البسكاني، وسأله من أنت؟ وأين والداك؟ فأجابه قائلا: ليس لديَّ أحد أنا دون أبٍ وأم، فتبنى رعايته وتربيته.


ويذكر الكاكائية ان سيد هياس، بعد ظهوره الأول في قرية برديور، انتقل إلى مدينة كرمان شاه الإيرانية، ورحل بعدها إلى قرية دكة التابعة لمدينة خانقين بمحافظة ديالى العراقية، قبل ان ينتقل الى مناطق بمحافظتي كركوك وأربيل، وبعدها مرَ ببلدة برده رش التابعة لقضاء عقرة في إقليم كوردستان، ثم واصل تنقلاته وترحاله ليصل إلى محافظة نينوى ومرَ فيها بعدة قرى منها تيسخراب التابعة لناحية بعشيقة وبازكرتان التابعة لناحية برطلة ومن ثم قريتي شيخ أمير وشاقولي التابعتين لقضاء الحمدانية، لتنتهي رحلاته المتعددة مستقراً بقرية وردك التابعة لناحية النمرود.


وفقا لآخر إحصائية غير رسمية لمنظمة ميثرا، يبلغ عدد أتباع الديانة الكاكائية في العراق أكثر من 120 ألف نسمة، يتوزعون على مناطق سهل نينوى والسليمانية وأربيل وحلبجة وخانقين وكركوك وديالى ومدن أخرى تقع ضمن هذا النطاق.

By admin

اترك رد