✍️ حسنين الحسون _ زيد الاصيل

لم يكن يعلم سامي وديع الخمسيني ، “وهو من المغتربين في اوربا، ومن الديانة المسيحية” ، ان يعود و يزور مدينة الحلة مرة اخرى، التي يحدثنا عنها والدموع تكاد تنهمر من عينيه ، حيث يروي لنا ذكرياته في المدينة ، و نشأته و صباه ، و مدرسته التي يقول انه امضى فيها اجمل ايام عمره .

ويرى وديع ” أن الحلة لم تكن مجرد مدينة عادية ، فهو يصفها بعراق مصغر ، تضم كل الأطياف الاجتماعية المتنوعة ، فعن صفه في الخامس الابتدائي ، راح يعدد لنا أسماء زملاءه ، الذين مازالت اسمائهم عالقة في ذهنه .

ويصف لنا وديع كيف كان يفطر مع المسلمين خلال شهر رمضان في طفولته ، وكيف كانوا هم يشاركون وعائلته اعياد ميلاد المسيح “عليه السلام” ،من خلال حفلات البيوت الصغيرة حينذاك ..
وكشف وديع ” ان التطور التكنولوجي ودخول مواقع التواصل الاجتماعي، سمحت له التواصل مع البعض ممن اعرفهم في الحلة، فضلا عن متابعة اخبار المدينة بين الحين والآخر .

مدينة الحلة التي أسسها الأمير صدقة الأسدي في العام 495 هجرية الموافق للعام 1101 ميلادية، عملت المؤثرات التاريخية والجغرافية والبيئية لسكانها على صهر مكوناتها التي أنتجت ثقافة راسخة تعيش التنوع حقيقة واقعة وتتنفس التسامح في كل فعالياتها الإجتماعية والثقافية الأساسية فالمدينة كانت حاضرة متقدمة تقع في الوسط بين مدن مهمة مثل كربلاء والنجف وبغداد والديوانية، فكانت الحلة عاصمة للفرات الأوسط منذ أكثر من قرن من الزمان، وكان لنهرها من جهة وللطبيعة الغناء لغابات النخيل التي تحيط بالمدينة من كل جانب أبلغ الأثر في جعل المزاج الحلي متسماً بالانفتاح والتسامح ، فضلا عن أن الحوزة العلمية قد إنتقلت إليها لمدة طويلة من الزمن، إضافة الى وجود افكار وحركات ثقافية واجتماعية وسياسية أثرت الواقع المعرفي للمدينة على جميع الصعد ..

وذكر مسؤول الجبهة التركمانية في بابل حازم ايدن أوغلو : أن مايميز أهالي المحافظة هو فتح أبوابهم لكل شخص يزور المدينة حتى أثناء فترة التهجير الأخيرة حيث سكن المحافظة عدد من عوائل تلعفر ، الذين عوملوا بمعزة وكرم و حسن ضيافة مما دفع بعضهم إلى السكن الدائم فيها .

وبين اوغلوا أنه قدم من الموصل إلى بابل أثناء تأدية خدمة العلم ، واستقر في المدينة عام ١٩٩٩ وتزوج فيها ، مؤكدا أن المدينة عرفت بتاريخ عريق وثقافة عالية وشخصيات معروفة نتشارك معهم في الافراح والأحزان ونتواصل بصورة دائمة مع الأهالي وشيوخ العشائر وكذلك في المناسبات الدينية المليونية شعورا بأن العراق واحد وجميعنا اخوة في هذا الوطن .

وتشهد محافظة بابل بين فترة وأخرى مبادرات ومخيمات شبابية ومعارض صورية وفنية تهدف إلى تعزيز التعايش المجتمعي واشاعة ثقافة السلم الأهلي وزيارة المعالم الأثرية والدينية في المدينة في رسالة سلام وحوار تؤكد مدى التماسك القائم على أساس المواطنة ورفض كل أشكال العنف ونبذ الآخر ، رغم محاولات البعض وأفعالهم النكراء التي لا تمت للإنسانية بصلة .

ويبين الباحث محمد عبد الجليل شعابث ” ان مدينة الحلة احتلت الصدارة فى تنوع نسيجها الاجتماعي والثقافي ، فلقد سكنها منذ تمصيرها عام ٤٥٩ هجرية العرب وهم سكانها الأصليون ، إضافة الى بقية القوميات مثل الفرس والترك والهنود وكذلك كل من اليهود والمسيح بمختلف مذاهبهم والمسلمين من السنة والشيعة ، مشيرا الى ان ” هذا النسيج قل ما نجده في بقية مدن العراق، فضلا عن مكانة خاصة للحلة في العالم الإسلامي إذ كانت مركزا للحوزة العلمية ولمدة خمسة قرون متتالية ومن ابرز سمات هذه الحوزة هي الوسطية والاعتدال والتجديد وكان يحضر دروسها طلبة من جميع المذاهب الإسلامية المختلفة.

وعن أبرز الشخصيات التي اشتهرت بها الحلة من القوميات والطوائف الأخرى التي تركت أثراً مهماً في المدينة يكشف شعابث ” هو العلامة أحمد سوسة والصائغ الياهو ومناحيم دانيال وهم من أبناء الطائفة الموسوي؟؟؟؟؟ وكذلك ال الحفيظ وال جبران وبيت الواعظ

ويروي شعابث” ان من ابرز القصص هي عندما كان سكان هيت يعملون في التجارة وتصدير مادة القار (القير) الى مدينة الحلة وبعد ما شاهدوا ولمسوا كرم وأخلاق أبناء الحلة قرر الكثير منهم الهجرة والسكن فيها هم وعوائلهم واتخذوا مكانا لهم خلف حي الكراد ليصبح بعد ذلك حي مسمى باسمهم (الهيتاويين) وازدادت أعداد المهاجرين من هيت إلى الحلة ، ولذلك قرر وجهاء هيت التوجه كي يعرفوا سبب هجرة أهالي هيت الى هذه المدينة وبعد لقائهم قالوا لهم لماذا تركتم مدينتكم وسكنتم الحلة قالوا لهم و بلهجتهم ( لقد بدلنا القير بالقيمر) ” على حد وصفه .

وينوه الى ان الحلة ما زالت تحتفظ بتنوع أطيافها وهذا مالاحظناه اخيرا إبان الهجرة القسرية اثناء الحروب الأخيرة وحرب داعش فقد كانت مثالا للمدينة التي احتضنت هؤلاء المهاجرين وقدمت لهم كل واجبات الضيافة وكرم الأستقبال وهذا مادفع أكثر هذه العوائل للبقاء في هذه المدينة ولحد هذه الساعة .

ويضيف ” لذا فان هذه المدينة تستحق ان يطلق عليها مدينة التعايش والاعتدال متميزة عن غيرها من مدن العراق وهذا مدعاة فخر واعتزاز لأبناء هذه المدينة العريقة.

من جهته قال عثمان گوران الذي ينتمي لعائلة كردية تنحدر من قضاء عقرة ضمن محافظة دهوك ، وجدت نفسي في محافظة بابل حيث ولدت هنا وعشت ودرست وتزوجت ، ” لم أشعر بأني غريب ابداً وانا من أبناء القومية الكردية ” الحلة مدينة سلمية يعيش فيها الجميع بحب وسلام دون أي مضايقة ، حسب گوران .

وعن سبب اتخاذه بابل مقراً و مسكناً دائماً ، أوضح گوران أن جده والد أبية قدم إلى الحله قديماً وكان يزاول مهنة التجارة ، فتزوج من امرأه بابلية وسكن محلة جبران ثم انتقل الى محلة الجامعين تلك المحلة التي تعتبر من أقدم الأحياء في مدينة الحلة ، بعدها استقر وانجب فيها ، مؤكدا تمسكه بهذه المدينة رغم انه عرض عليه الانتقال الى شمال العراق موطنه أجداده .

ويضيف گوران ” لا احتفظ بذكريات كوردية كثيرة بسبب منع التواصل وقطع العلاقات بين محافظات الوسط والشمال إبان النظام البائد ، كذلك لا اتكلم اللغة الكوردية بطلاقة بل بصورة مبسطة “

وذهب المؤرخ الحلي محمد هادي في كتابه ” الحلة محلاتها وبيوتاتها وأزقتها ” إلى وجود حي يطلق عليه ” محلة الكراد” وتعود تسميتة لسببين إحداهما أنه في عهد بني مزيد سكنها مجموعة من الأكراد الذين استعان ببعضهم الأمير سيف الدولة وجعلهم ضباطا لمحاربة أعدائه ويعودون إلى عائلة الجوفاني الذي تحول الاسم بمرور الزمن إلى الجواني ، وهذه المحلة لازالت قائمة إلى يومنا هذا .

وديع يحلم ويتمنى ان يلتقي ببعض اصدقائه القدامى ، وأن يسترجع الذكريات الجميلة معهم حسب وصفه ، ويضيف ” أن لديه قرار قريب للسفر الى العراق مرة اخرى والذهاب الى مدينة الحلة للبقاء فيها مدة أطول، والتجول في أزقتها ، خاصة مع تحسن الوضع الأمني هناك .

By admin

اترك رد